الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
نفقة الزوجة واجبة بالكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقول الله تعالى: قال أبو القاسم -رحمه الله- تعالى: [وعلى الزوج نفقة زوجته ما لا غناء بها عنه وكسوتها] وجملة الأمر أن المرأة إذا سلمت نفسها إلى الزوج, على الوجه الواجب عليها فلها عليه جميع حاجتها من مأكول ومشروب, وملبوس ومسكن قال أصحابنا: ونفقتها معتبرة بحال الزوجين جميعا فإن كانا موسرين فعليه لها نفقة الموسرين, وإن كانا معسرين فعليه نفقة المعسرين وإن كانا متوسطين, فلها عليه نفقة المتوسطين وإن كان أحدهما موسرا والآخر معسرا, فعليه نفقة المتوسطين أيهما كان الموسر وقال أبو حنيفة ومالك: يعتبر حال المرأة على قدر كفايتها لقول الله تعالى: والنفقة مقدرة بالكفاية وتختلف باختلاف من تجب له النفقة في مقدارها وبهذا قال أبو حنيفة ومالك وقال القاضي: هي مقدرة بمقدار لا يختلف في القلة والكثرة, والواجب رطلان من الخبز في كل يوم في حق الموسر والمعسر اعتبارا بالكفارات, وإنما يختلفان في صفته وجودته لأن الموسر والمعسر سواء في قدر المأكول وفيما تقوم به البنية وإنما يختلفان في جودته, فكذلك النفقة الواجبة وقال الشافعي: نفقة المقتر مد بمد النبي -صلى الله عليه وسلم- لأن أقل ما يدفع في الكفارة إلى الواحد مد والله سبحانه اعتبر الكفارة بالنفقة على الأهل فقال سبحانه: ولا يجب فيها الحب وقال الشافعي: الواجب فيها الحب اعتبارا بالإطعام في الكفارة, حتى لو دفع إليها دقيقا أو سويقا أو خبزا لم يلزمها قبوله كما لا يلزم ذلك المسكين في الكفارة قال بعضهم: يجيء على قول أصحابنا, أنه لا يجوز وإن تراضيا لأنه بيع حنطة بجنسها متفاضلا ولنا قول ابن عباس في قوله تعالى:
ويرجع في تقدير الواجب إلى اجتهاد الحاكم أو نائبه إن لم يتراضيا على شيء, فيفرض للمرأة قدر كفايتها من الخبز والأدم فيفرض للموسرة تحت الموسر قدر حاجتها من أرفع خبز البلد الذي يأكله أمثالهما, وللمعسرة تحت المعسر قدر كفايتها من أدنى خبز البلد وللمتوسطة تحت المتوسط من أوسطه, لكل أحد على حسب حاله على ما جرت به العادة في حق أمثاله وكذلك الأدم للموسرة تحت الموسر قدر حاجتها من أرفع الأدم من اللحم والأرز واللبن, وما يطبخ به اللحم والدهن على اختلاف أنواعه في بلدانه السمن في موضع والزيت في آخر, والشحم والشيرج في آخر وللمعسرة تحت المعسر من الأدم أدونه كالباقلا, والخل والبقل والكامخ, وما جرت به عادة أمثالهم وما يحتاج إليه من الدهن وللمتوسطة تحت المتوسط أوسط ذلك, من الخبز والأدم كل على حسب عادته وقال الشافعي: الواجب من جنس قوت البلدة, لا يختلف باليسار والإعسار سوى المقدار والأدم هو الدهن خاصة لأنه أصلح للأبدان وأجود في المؤنة لأنه لا يحتاج إلى طبخ وكلفة ويعتبر الأدم بغالب عادة أهل البلد, كالزيت بالشام والشيرج بالعراق والسمن بخراسان ويعتبر قدر الأدم بالقوت, فإذا قيل: إن الرطل تكفيه الأوقية من الدهن فرض ذلك وفي كل يوم جمعة رطل لحم فإن كان في موضع يرخص اللحم زادها على الرطل شيئا وذكر القاضي في الأدم مثل هذا وهذا مخالف لقول الله سبحانه وتعالى: وحكم المكاتب والعبد حكم المعسر لأنهما ليس بأحسن حالا منه ومن نصفه حر إن كان موسرا, فحكمه حكم المتوسط لأنه متوسط نصفه موسر ونصفه معسر. ويجب للمرأة ما تحتاج إليه, من المشط والدهن لرأسها والسدر, أو نحوه مما تغسل به رأسها وما يعود بنظافتها لأن ذلك يراد للتنظيف فكان عليه, كما أن على المستأجر كنس الدار وتنظيفها فأما الخضاب فإنه إن لم يطلبه الزوج منها لم يلزمه لأنه يراد للزينة, وإن طلبه منها فهو عليه وأما الطيب فما يراد منه لقطع السهولة, كدواء العرق لزمه لأنه يراد للتطيب وما يراد منه للتلذذ والاستمتاع, لم يلزمه لأن الاستمتاع حق له فلا يجب عليه ما يدعوه إليه ولا يجب عليه شراء الأدوية ولا أجرة الطبيب لأنه يراد لإصلاح الجسم, فلا يلزمه كما لا يلزم المستأجر بناء ما يقع من الدار وحفظ أصولها, وكذلك أجرة الحجام والفاصد. وتجب عليه كسوتها بإجماع أهل العلم لما ذكرنا من النصوص ولأنها لا بد منها على الدوام, فلزمته كالنفقة وهي معتبرة بكفايتها, وليست مقدرة بالشرع كما قلنا في النفقة ووافق أصحاب الشافعي على هذا, ويرجع في ذلك إلى اجتهاد الحاكم فيفرض لها على قدر كفايتها على قدر يسرهما وعسرهما, وما جرت عادة أمثالهما به من الكسوة فيجتهد الحاكم في ذلك عند نزول الأمر, كنحو اجتهاده في المتعة للمطلقة وكما قلنا في النفقة فيفرض للموسرة تحت الموسر من أرفع ثياب البلد, من الكتان والخز والإبريسم وللمعسرة تحت المعسر غليظ القطن والكتان, وللمتوسطة تحت المتوسط من ذلك فأقل ما يجب من ذلك قميص, وسراويل ومقنعة ومداس, وجبة للشتاء ويزيد من عدد الثياب ما جرت العادة بلبسه مما لا غنى عنه, دون ما للتجمل والزينة والأصل في هذا قول الله عز وجل:
وعليه لها ما تحتاج إليه للنوم, من الفراش واللحاف والوسادة كل على حسب عادته فإن كانت ممن عادته النوم في الأكسية والبساط فعليه لها لنومها ما جرت عادتهم به, ولجلوسها بالنهار البساط والزلى والحصير الرفيع أو الخشن, الموسر على حسب يساره والمعسر على قدر إعساره على حسب العوائد.
ويجب لها مسكن, بدليل قوله سبحانه وتعالى:
فإن كانت المرأة ممن لا تخدم نفسها لكونها من ذوى الأقدار, أو مريضة وجب لها خادم: {وعاشرهن بالمعروف} ومن العشرة بالمعروف أن يقيم لها خادما, ولأنه مما تحتاج إليه في الدوام فأشبه النفقة ولا يجب لها أكثر من خادم واحد لأن المستحق خدمتها في نفسها ويحصل ذلك بواحد وهذا قول مالك, والشافعي وأصحاب الرأي إلا أن مالكا قال: إن كان لا يصلح للمرأة إلا أكثر من خادم فعليه أن ينفق على أكثر من واحد ونحوه قال أبو ثور: إذا احتمل الزوج ذلك, فرض لخادمين ولنا أن الخادم الواحد يكفيها لنفسها والزيادة تراد لحفظ ملكها, أو للتجمل وليس عليه ذلك إذا ثبت هذا فلا يكون الخادم إلا ممن يحل له النظر إليها, إما امرأة وإما ذو رحم محرم لأن الخادم يلزم المخدوم في غالب أحواله فلا يسلم من النظر وهل يجوز أن يكون من أهل الكتاب؟ فيه وجهان الصحيح منهما جوازه لأن استخدامهم مباح, وقد ذكرنا فيما مضى أن الصحيح إباحة النظر لهم والثاني لا يجوز لأن في إباحة نظرهم اختلافا وتعافهم النفس, ولا يتنظفون من النجاسة ولا يلزم الزوج أن يملكها خادما لأن المقصود الخدمة فإذا حصلت من غير تمليك, جاز كما أنه إذا أسكنها دارا بأجرة جاز ولا يلزمه تمليكها مسكنا فإن ملكها الخادم, فقد زاد خيرا وإن أخدمها من يلازم خدمتها من غير تمليك جاز, سواء كان له أو استأجره حرا كان أو عبدا وإن كان الخادم لها, فرضيت بخدمته لها ونفقته على الزوج جاز وإن طلبت منه أجر خادمها فوافقها, جاز ` وإن قال: لا أعطيك أجر هذا ولكن أنا آتيك بخادم سواه فله ذلك إذا أتاها بمن يصلح لها وإن قالت: أنا أخدم نفسى وآخذ أجر الخادم لم يلزم الزوج قبول ذلك لأن الأجر عليه, فتعيين الخادم إليه ولأن في إخدامها توفيرها على حقوقه وترفيهها, ورفع قدرها وذلك يفوت بخدمتها لنفسها وإن قال الزوج: أنا أخدمك بنفسى لم يلزمها لأنها تحتشمه وفيه غضاضة عليها, لكون زوجها خادما وفيه وجه آخر أنه يلزمها الرضى به لأن الكفاية تحصل به.
وعلى الزوج نفقة الخادم ومؤنته من الكسوة والنفقة, مثل ما لامرأة المعسر إلا أنه لا يجب لها المشط والدهن لرأسها, والسدر لأن ذلك يراد للزينة والتنظيف ولا يراد ذلك من الخادم لكن إن احتاجت إلى خف لتخرج إلى شراء الحوائج, لزمه ذلك.
قال: [فإن منعها ما يجب لها أو بعضه وقدرت له على مال, أخذت منه مقدار حاجتها] بالمعروف كما (قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لهند حين قالت: إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطينى من النفقة ما يكفينى وولدى فقال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) وجملته أن الزوج إذا لم يدفع إلى امرأته ما يجب لها عليه من النفقة والكسوة, أو دفع إليها أقل من كفايتها فلها أن تأخذ من ماله الواجب أو تمامه بإذنه وبغير إذنه بدليل قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لهند: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) وهذا إذن لها في الأخذ من ماله بغير إذنه, ورد لها إلى اجتهادها في قدر كفايتها وكفاية ولدها وهو متناول لأخذ تمام الكفاية فإن ظاهر الحديث دل على أنه قد كان يعطيها بعض الكفاية, ولا يتممها لها فرخص النبي -صلى الله عليه وسلم- لها في أخذ تمام الكفاية بغير علمه لأنه موضع حاجة فإن النفقة لا غنى عنها, ولا قوام إلا بها فإذا لم يدفعها الزوج ولم تأخذها أفضى إلى ضياعها وهلاكها, فرخص النبي -صلى الله عليه وسلم- لها في أخذ قدر نفقتها دفعا لحاجتها ولأن النفقة تتجدد بتجدد الزمان شيئا فشيئا, فتشق المرافعة إلى الحاكم والمطالبة بها في كل الأوقات فلذلك رخص لها في أخذها بغير إذن من هي عليه وذكر القاضي بينها وبين الدين فرقا آخر وهو أن نفقة الزوجة تسقط بفوات وقتها عند بعض أهل العلم, ما لم يكن الحاكم فرضها لها فلو لم تأخذ حقها أفضى إلى سقوطها والإضرار بها, بخلاف الدين فإنه لا يسقط عند أحد بترك المطالبة فلا يؤدى ترك الأخذ إلى الإسقاط.
ويجب عليه دفع نفقتها إليها في صدر نهار كل يوم إذا طلعت الشمس, لأنه أول وقت الحاجة فإن اتفقا على تأخيرها جاز لأن الحق لها فإذا رضيت بتأخيره جاز, كالدين وإن اتفقا على تعجيل نفقة عام أو شهر أو أقل من ذلك أو أكثر أو تأخيره, جاز لأن الحق لهما لا يخرج عنهما فجاز من تعجيله وتأخيره ما اتفقا عليه, كالدين وليس بين أهل العلم في هذا خلاف علمناه فإن سلم إليها نفقة يوم ثم ماتت فيه لم يرجع عليها بها لأنه دفع إليها ما وجب عليه دفعه إليها, وإن أبانها بعد وجوب الدفع إليها لم تسقط نفقتها فيه ولها مطالبته بها لأنها قد وجبت, فلم تسقط بالطلاق كالدين وإن عجل لها نفقة شهر أو عام ثم طلقها, أو ماتت قبل انقضائه أو بانت بفسخ أو إسلام أحدهما أو ردته فله أن يسترجع نفقة سائر الشهر وبه قال الشافعي, ومحمد بن الحسن وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: لا يسترجعها لأنها صلة فإذا قبضتها, لم يكن له الرجوع فيها كصدقة التطوع ولنا أنه سلم إليها النفقة سلفا عما يجب في الثاني, فإذا وجد ما يمنع الوجوب ثبت الرجوع كما لو أسلفها إياها فنشزت, أو عجل الزكاة إلى الساعى فتلف ماله قبل الحول وقولهم: إنها صلة قلنا: بل هي عوض عن التمكين وقد فات التمكين وذكر القاضي أن زوج الوثنية والمجوسية, إذا دفع إليها نفقة سنتين ثم بانت بإسلامه فإن لم يكن أعلمها أنها نفقة عجلها لها, لم يرجع عليها لأن الظاهر أنه تطوع بها وإن أعلمها ذلك انبنى على معجل الزكاة إذا أعلم الفقير أنها زكاة معجلة ثم تلف المال, وفي الرجوع بها وجهان كذلك ها هنا وكذلك ينبغي أن يكون في سائر الصور مثل هذا لأنه تبرع بدفع ما لا يلزمه من غير إعلام الآخذ بتعجيله فلم يرجع به, كمعجل الزكاة ولو سلم إليها نفقة اليوم فسرقت أو تلفت لم يلزمه عوضها لأنه برئ من الواجب بدفعه, فأشبه ما لو تلفت الزكاة بعد قبض الساعى لها أو الدين بعد أخذ صاحبه له.
وإذا دفع إليها نفقتها فلها أن تتصرف فيها بما أحبت, من الصدقة والهبة والمعاوضة ما لم يعد ذلك عليها بضرر في بدنها وضعف في جسمها لأنه حق لها, فلها التصرف فيه بما شاءت كالمهر وليس لها التصرف فيها على وجه يضر بها لأن فيه تفويت حقه منها ونقصا في استمتاعه بها.
وعليه دفع الكسوة إليها في كل عام مرة لأنها العادة, ويكون الدفع إليها في أوله لأنه أول وقت الوجوب فإن بليت الكسوة في الوقت الذي يبلى فيه مثلها لزمه أن يدفع إليها كسوة أخرى لأن ذلك وقت الحاجة إليها وإن بليت قبل ذلك, لكثرة دخولها وخروجها أو استعمالها لم يلزمه إبدالها لأنه ليس بوقت الحاجة إلى الكسوة في العرف وإن مضى الزمان الذي تبلى في مثله بالاستعمال المعتاد ولم تبل فهل يلزمه بدلها؟ فيه وجهان: أحدهما: لا يلزمه بدلها لأنها غير محتاجة إلى الكسوة والثاني, يلزمه لأن الاعتبار بمضى الزمان دون حقيقة الحاجة بدليل أنها لو بليت قبل ذلك لم يلزمه بدلها ولو أهدى إليها كسوة لم تسقط كسوتها وإن أهدى إليها طعام فأكلته, وبقي قوتها إلى الغد لم يسقط قوتها فيه وإن كساها ثم طلقها قبل أن تبلى, فهل له أن يسترجعها؟ فيه وجهان: أحدهما له ذلك لأنه دفعها للزمان المستقبل فإذا طلقها قبل مضيه, كان له استرجاعها كما لو دفع إليها نفقة مدة ثم طلقها قبل انقضائها والثاني, ليس له الاسترجاع لأنه دفع إليها الكسوة بعد وجوبها عليه فلم يكن له الرجوع فيها كما لو دفع إليها النفقة بعد وجوبها ثم طلقها قبل أكلها, بخلاف النفقة المستقبلة.
وإذا دفع إليها كسوتها فأرادت بيعها أو التصدق بها, وكان ذلك يضر بها أو يخل بتجملها بها أو بسترتها, لم تملك ذلك كما لو أرادت الصدقة بقوتها على وجه يضر بها وإن لم يكن في ذلك ضرر, احتمل الجواز لأنها تملكها فأشبهت النفقة واحتمل المنع لأن له استرجاعها لو طلقها, في أحد الوجهين بخلاف النفقة.
والذمية كالمسلمة في النفقة والمسكن والكسوة في قول عامة أهل العلم وبه يقول مالك, والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي لعموم النصوص والمعنى.
قال: [فإذا منعها, ولم تجد ما تأخذه واختارت فراقه فرق الحاكم بينهما] وجملته أن الرجل إذا منع امرأته النفقة, لعسرته وعدم ما ينفقه فالمرأة مخيرة بين الصبر عليه, وبين فراقه وروى نحو ذلك عن عمر وعلى وأبى هريرة وبه قال سعيد بن المسيب, والحسن وعمر بن عبد العزيز وربيعة, وحماد ومالك ويحيى القطان, وعبد الرحمن بن مهدى والشافعي وإسحاق, وأبو عبيد وأبو ثور وذهب عطاء والزهري, وابن شبرمة وأبو حنيفة وصاحباه إلى أنها لا تملك فراقه بذلك, ولكن يرفع يده عنها لتكتسب لأنه حق لها عليه فلا يفسخ النكاح لعجزه عنه كالدين وقال العنبرى: يحبس إلى أن ينفق ولنا, قول الله تعالى:
وإن لم يجد النفقة إلا يوما بيوم فليس ذلك إعسارا يثبت به الفسخ لأن ذلك هو الواجب عليه وقد قدر عليه وإن وجد في أول النهار ما يغديها, وفي آخره ما يعشيها لم يكن لها الفسخ لأنها تصل إلى كفايتها وما يقوم به بدنها وإن كان صانعا يعمل في الأسبوع ما يبيعه في يوم بقدر كفايتها في الأسبوع كله, لم يثبت الفسخ لأن هذا يحصل الكفاية به في جميع زمانه وإن تعذر عليه الكسب في بعض زمانه أو تعذر البيع لم يثبت الفسخ لأنه يمكن الاقتراض إلى زوال العارض وحصول الاكتساب وإن عجز عن الاقتراض أياما يسيرة لم يثبت الفسخ لأن ذلك يزول عن قرب, ولا يكاد يسلم منه كثير من الناس وإن مرض مرضا يرجى زواله في أيام يسيرة لم يفسخ لما ذكرناه وإن كان ذلك يطول فلها الفسخ لأن الضرر الغالب يلحقها, ولا يمكنها الصبر وكذلك إن كان لا يجد من النفقة إلا يوما دون يوم فلها الفسخ لأنها لا يمكنها الصبر على هذا ويكون بمثابة من لا يجد إلا بعض القوت وإن أعسر ببعض نفقة المعسر, ثبت لها الخيار لأن البدن لا يقوم بما دونها وإن أعسر بما زاد على نفقة المعسر فلا خيار لها لأن تلك الزيادة تسقط بإعساره ويمكن الصبر عنها, ويقوم البدن بما دونها وإن أعسر بنفقة الخادم لم يثبت لها خيار لما ذكرنا وكذلك إن أعسر بالأدم وإن أعسر بالكسوة, فلها الفسخ لأن الكسوة لا بد منها ولا يمكن الصبر عنها ولا يقوم البدن بدونها وإن أعسر بأجرة المسكن, ففيه وجهان أحدهما: لها الخيار لأنه مما لا بد منه فهو كالنفقة والكسوة والثاني لا خيار لها لأن البنية تقوم بدونه وهذا الوجه هو الذي ذكره القاضي وإن أعسر بالنفقة الماضية, لم يكن لها الفسخ لأنها دين يقوم البدن بدونها فأشبهت سائر الديون الحال الثاني أن يمتنع من الإنفاق مع يساره فإن قدرت له على مال, أخذت منه قدر حاجتها ولا خيار لها لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر هندا بالأخذ ولم يجعل لها الفسخ, وإن لم تقدر رافعته إلى الحاكم فيأمره بالإنفاق, ويجبره عليه فإن أبى حبسه فإن صبر على الحبس, أخذ الحاكم النفقة من ماله فإن لم يجد إلا عروضا أو عقارا باعها في ذلك وبهذا قال مالك, والشافعي وأبو يوسف ومحمد, وأبو ثور وقال أبو حنيفة: النفقة في ماله من الدنانير والدراهم ولا يبيع عرضا إلا بتسليم لأن بيع مال الإنسان لا ينفذ إلا بإذنه أو إذن وليه, ولا ولاية على الرشيد ولنا قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لهند " خذي ما يكفيك " ولم يفرق ولأن ذلك مال له, فتؤخذ منه النفقة كالدراهم والدنانير وللحاكم ولاية عليه إذا امتنع, بدليل ولايته على دراهمه ودنانيره وإن تعذرت النفقة في حال غيبته وله وكيل فحكم وكيله حكمه في المطالبة والأخذ من المال عند امتناعه, وإن لم يكن له وكيل ولم تقدر المرأة على الأخذ أخذ لها الحاكم من ماله, ويجوز بيع عقاره وعروضه في ذلك إذا لم تجد ما تنفق سواه وينفق على المرأة يوما بيوم وبهذا قال الشافعي ويحيى بن آدم وقال أصحاب الرأي: يفرض لها في كل شهر ولنا, أن هذا تعجيل للنفقة قبل وجوبها فلم يجز كما لو عجل لها نفقة زيادة على شهر.
وإن غيب ماله, وصبر على الحبس ولم يقدر الحاكم له على مال يأخذه أو لم يقدر على أخذ النفقة من مال الغائب, فلها الخيار في الفسخ في ظاهر قول الخرقي واختيار أبى الخطاب واختار القاضي أنها لا تملك الفسخ, وهو ظاهر مذهب الشافعي لأن الفسخ في المعسر لعيب الإعسار ولم يوجد ها هنا ولأن الموسر في مظنة إمكان الأخذ من ماله, وإذا امتنع في يوم فربما لا يمتنع في الغد بخلاف المعسر ولنا, أن عمر رضي الله عنه كتب في رجال غابوا عن نسائهم فأمرهم أن ينفقوا أو يطلقوا وهذا إجبار على الطلاق عند الامتناع من الإنفاق ولأن الإنفاق عليها من ماله متعذر, فكان لها الخيار كحال الإعسار بل هذا أولى بالفسخ, فإنه إذا جاز الفسخ على المعذور فعلى غيره أولى ولأن في الصبر ضررا أمكن إزالته بالفسخ, فوجبت إزالته ولأنه نوع تعذر يجوز الفسخ فلم يفترق الحال بين الموسر والمعسر, كأداء ثمن المبيع فإنه لا فرق في جواز الفسخ بين أن يكون المشترى معسرا وبين أن يهرب قبل أداء الثمن, وعيب الإعسار إنما جوز الفسخ لتعذر الإنفاق بدليل أنه لو اقترض ما ينفق عليها أو تبرع له إنسان بدفع ما ينفقه لم تملك الفسخ وقولهم: إنه يحتمل أن ينفق فيما بعد هذا قلنا: وكذلك المعسر يحتمل أن يغنيه الله, وأن يقترض أو يعطى ما ينفقه فاستويا.
ومن وجبت عليه نفقة امرأته, وكان له عليها دين فأراد أن يحتسب عليها بدينه مكان نفقتها فإن كانت موسرة, فله ذلك لأن من عليه حق فله أن يقضيه من أي أمواله شاء وهذا من ماله وإن كانت معسرة, لم يكن له ذلك لأن قضاء الدين إنما يجب في الفاضل من قوته وهذا لا يفضل عنها ولأن الله تعالى أمر بإنظار المعسر, بقوله سبحانه: وكل موضع ثبت لها الفسخ لأجل النفقة لم يجز إلا بحكم الحاكم لأنه فسخ مختلف فيه فافتقر إلى الحاكم, كالفسخ بالعنة ولا يجوز له التفريق إلا أن تطلب المرأة ذلك لأنه لحقها فلم يجز من غير طلبها, كالفسخ للعنة فإذا فرق الحاكم بينهما فهو فسخ لا رجعة له فيه وبهذا قال الشافعي وابن المنذر وقال مالك: هو تطليقة وهو أحق بها إن أيسر في عدتها لأنه تفريق لامتناعه من الواجب عليه لها, فأشبه تفريقه بين المولى وامرأته إذا امتنع من الفيئة والطلاق ولنا أنها فرقة لعجزه عن الواجب لها عليه أشبهت فرقة العنة فأما إن أجبره الحاكم على الطلاق فطلق أقل من ثلاث, فله الرجعة عليها ما دامت في العدة فإن راجعها وهو معسر, أو امتنع من الإنقاق عليها ولم يمكن الأخذ من ماله فطلبت المرأة الفسخ, فللحاكم الفسخ لأن المقتضى له باق أشبه ما قبل الطلاق. وإن رضيت بالمقام معه مع عسرته أو ترك إنفاقه ثم بدا لها الفسخ, أو تزوجت معسرا عالمة بحاله راضية بعسرته وترك إنفاقه, أو شرط عليها أن لا ينفق عليها ثم عن لها الفسخ فلها ذلك وبهذا قال الشافعي وقال القاضي: ظاهر كلام أحمد, ليس لها الفسخ ويبطل خيارها في الموضعين وهو قول مالك لأنها رضيت بعيبه ودخلت في العقد عالمة به, فلم تملك الفسخ كما لو تزوجت عنينا عالمة بعنته أو قالت بعد العقد: قد رضيت به عنينا ولنا, أن وجوب النفقة يتجدد في كل يوم فيتجدد لها الفسخ ولا يصح إسقاط حقها فيما لم يجب لها, كإسقاط شفعتها قبل البيع ولذلك لو أسقطت النفقة المستقبلة لم تسقط, ولو أسقطتها أو أسقطت المهر قبل النكاح لم يسقط وإذا لم يسقط وجوبها لم يسقط الفسخ الثابت به وإن أعسر بالمهر, وقلنا: لها الفسخ لإعساره به فرضيت بالمقام لم يكن لها الفسخ لأن وجوبه لم يتجدد بخلاف النفقة ولو تزوجته, عالمة بإعساره بالمهر راضية بذلك فينبغي أن لا تملك الفسخ بإعساره به لأنها رضيت بذلك في وقت لو أسقطته فيه سقط. إذا رضيت بالمقام مع ذلك, لم يلزمها التمكين من الاستمتاع لأنه لم يسلم إليها عوضه فلم يلزمها تسليمه كما لو أعسر المشترى بثمن المبيع, لم يجب تسليمه إليه وعليه تخلية سبيلها لتكتسب لها, وتحصل ما تنفقه على نفسها لأن في حبسها بغير نفقة إضرارا بها ولو كانت موسرة لم يكن له حبسها لأنه إنما يملك حبسها إذا كفاها المؤنة وأغناها عما لا بد لها منه, ولحاجته إلى الاستمتاع الواجب عليها فإذا انتفى الأمران لم يملك حبسها. ومن ترك الإنفاق الواجب لامرأته مدة, لم يسقط بذلك وكانت دينا في ذمته سواء تركها لعذر أو غير عذر, في أظهر الروايتين وهذا قول الحسن ومالك والشافعي وإسحاق, وابن المنذر والرواية الأخرى: تسقط نفقتها ما لم يكن الحاكم قد فرضها لها وهذا مذهب أبى حنيفة لأنها نفقة تجب يوما فيوما فتسقط بتأخيرها إذا لم يفرضها الحاكم كنفقة الأقارب, لأن نفقة الماضى قد استغنى عنها بمضى وقتها فتسقط كنفقة الأقارب ولنا, أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم يأمرهم بأن ينفقوا أو يطلقوا, فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما مضى ولأنها حق يجب مع اليسار والإعسار فلم يسقط بمضى الزمان كأجرة العقار والديون قال ابن المنذر هذه نفقة وجبت بالكتاب والسنة والإجماع, ولا يزول ما وجب بهذه الحجج إلا بمثلها ولأنها عوض واجب فأشبهت الأجرة وفارق نفقة الأقارب فإنها صلة يعتبر فيها اليسار من المنفق والإعسار ممن تجب له وجبت لتزجية الحال, فإذا مضى زمنها استغنى عنها فأشبه ما لو استغنى عنها بيساره وهذه بخلاف ذلك إذا ثبت هذا, فإنه إن ترك الإنفاق عليها مع يساره فعليه النفقة بكمالها وإن تركها لإعساره, لم يلزمه [ إلا ] نفقة المعسر لأن الزائد سقط بإعساره. ويصح ضمان النفقة ما وجب منها وما يجب في المستقبل إذا قلنا: إنها تثبت في الذمة وقال الشافعي يصح ضمان ما وجب, وفي ضمان المستقبل وجهان بناء على أن النفقة هل تجب بالعقد أو بالتمكين؟ ومبنى الخلاف على ضمان ما لم يجب إذا كان ماله إلى الوجوب فعندنا يصح, وعندهم لا يصح وقد ذكرنا ذلك في باب الضمان. وإن أعسر بنفقة الخادم أو الأدم أو المسكن ثبت ذلك في ذمته وبهذا قال الشافعي وقال القاضي: لا يثبت لأنه من الزوائد فلم يثبت في ذمته, كالزائد عن الواجب عليه ولنا أنها نفقة تجب على سبيل العوض فتثبت في الذمة كالنفقة الواجبة للمرأة قوتا, وفارق الزائد عن نفقة المعسر فإنه يسقط بالإعسار. وإذا أنفقت المرأة على نفسها من مال زوجها الغائب ثم بان أنه قد مات قبل إنفاقها, حسب عليها ما أنفقته من ميراثها سواء أنفقته بنفسها أو بأمر الحاكم وبهذا قال أبو العالية ومحمد بن سيرين, والشافعي وابن المنذر ولا أعلم عن غيرهم خلافهم لأنها أنفقت ما لا تستحق وإن فضل لها شيء فهو لها وإن فضل عليها شيء, وكان لها صداق أو دين على زوجها حسب منه وإن لم يكن لها شيء من ذلك, كان الفضل دينا عليها والله أعلم. وإن أعسر الزوج بالصداق ففيه ثلاثة أوجه أصحها, ليس لها الفسخ وهو اختيار ابن حامد والثاني لها الفسخ وهو اختيار أبى بكر لأنه أعسر بالعوض فكان لها الرجوع في المعوض, كما لو أعسر بثمن مبيعها والثالث إن أعسر قبل الدخول فلها الفسخ كما لو أفلس المشترى والمبيع بحاله, وإن كان بعد الدخول لم تملك الفسخ لأن المعقود عليه قد استوفى فأشبه ما لو أفلس المشترى بعد تلف المبيع أو بعضه ولنا, أنه دين فلم يفسخ النكاح للإعسار به كالنفقة الماضية, ولأن تأخيره ليس فيه ضرر مجحف فأشبه نفقة الخادم والنفقة الماضية ولأنه لا نص فيه, ولا يصح قياسه على الثمن في المبيع لأن الثمن كل مقصود البائع والعادة تعجيله والصداق فضلة ونحلة, ليس هو المقصود في النكاح ولذلك لا يفسد النكاح بفساده ولا بترك ذكره, والعادة تأخيره ولأن أكثر من يشترى بثمن حال يكون موسرا به وليس الأكثر أن من تزوج بمهر يكون موسرا به, ولا يصح قياسه على النفقة لأن الضرورة لا تندفع إلا بها بخلاف الصداق فأشبه شيء به النفقة الماضية وللشافعي نحو هذه الوجوه وإذا قلنا: لها الفسخ للإعسار به فتزوجته عالمة بعسرته, فلا خيار لها وجها واحدا لأنها رضيت به كذلك وكذلك إن علمت عسرته بعد العقد فرضيت بالمقام سقط حقها من الفسخ, لأنها رضيت بإسقاط حقها بعد وجوبه فسقط كما لو رضيت بعنته. ونفقة الأمة المزوجة حق لها ولسيدها لأن كل واحد منهما ينتفع بها ولكل واحد منهما طلبها إن امتنع الزوج من أدائها, ولا يملك واحد منهما إسقاطها لأن في سقوطها بإسقاط أحدهما ضررا بالآخر وإن أعسر الزوج بها فلها الفسخ لأنه عجز عن نفقتها فملكت الفسخ, كالحرة وإن لم تفسخ فقال القاضي: لسيدها الفسخ لأن عليه ضررا في عدمها, لما يتعلق بفواتها من فوات ملكه وتلفه فإن أنفق عليها سيدها محتسبا بالرجوع فله الرجوع بها على الزوج, رضيت بذلك أو كرهت لأن الدين خالص حقه لا حق لها فيه وإنما تعلق حقها بالنفقة الحاضرة, لوجوب صرفها إليها وقوام بدنها بها بخلاف الماضية وقال أبو الخطاب, وأصحاب الشافعي: ليس لسيدها الفسخ لعسرة زوجها بالنفقة لأنها حق لها فلم يملك سيدها الفسخ دونها كالفسخ للعيب, فإن كانت معتوهة أنفق المولى وتكون النفقة دينا في ذمة الزوج, وإن كانت عاقلة قال لها السيد: إن أردت النفقة فافسخى النكاح وإلا فلا نفقة لك عندي. وإن اختلف الزوجان في الإنفاق عليها, أو في تقبيضها نفقتها فالقول قول المرأة لأنها منكرة والأصل معها وإن اختلفا في التمكين الموجب للنفقة, أو في وقته فقالت: كان ذلك من شهر فقال: بل من يوم فالقول قوله لأنه منكر والأصل معه وإن اختلفا في يساره فادعته المرأة ليفرض لها نفقة الموسرين, أو قالت: كنت موسرا وأنكر ذلك فإن عرف له مال فالقول قولها, وإلا فالقول قوله وبهذا كله قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وإن اختلفا في فرض الحاكم للنفقة, أو في وقتها فقال: فرضها منذ شهر فقالت: بل منذ عام فالقول قوله وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي وقال مالك: إن كان مقيما معها, فالقول قوله وإن كان غائبا عنها فالقول قول المرأة من يوم رفعت أمرها إلى الحاكم ولنا, أن قوله يوافق الأصل فقدم كما لو كان مقيما معها, وكل من قلنا: القول قوله فلخصمه عليه اليمين لأنها دعاوى في المال فأشبهت دعوى الدين ولأن (النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ولكن اليمين على المدعى عليه) وإن دفع الزوج إلى امرأته نفقة وكسوة, أو بعث به إليها فقالت إنما فعلت ذلك تبرعا وهبة وقال: بل وفاء للواجب على فالقول قوله لأنه أعلم بنيته أشبه ما لو قضى دينه واختلف هو وغريمه في نيته وإن طلق امرأته وكانت حاملا فوضعت, فقال: طلقتك حاملا فانقضت عدتك بوضع الحمل وانقطعت نفقتك ورجعتك وقالت: بل بعد الوضع, فلى النفقة ولك الرجعة فالقول قولها لأن الأصل بقاء النفقة وعدم المسقط لها, وعليها العدة ولا رجعة للزوج لإقراره بعدمها وإن رجع فصدقها فله الرجعة لأنها مقرة له بها ولو قال: طلقتك بعد الوضع, فلى الرجعة ولك النفقة وقالت: بل وأنا حامل فالقول قوله لأن الأصل بقاء الرجعة ولا نفقة لها, ولا عدة عليها لأنها حق لله تعالى فالقول قولها فيها وإن عاد فصدقها سقطت رجعته, ووجب لها النفقة هذا في ظاهر الحكم فأما فيما بينه وبين الله تعالى فينبنى على ما يعلمه من حقيقة الأمر دون ما قاله. وإن طلق الرجل امرأته, فادعت أنها حامل لتكون لها النفقة أنفق عليها ثلاثة أشهر ثم ترى القوابل بعد ذلك لأن الحمل يبين بعد ثلاثة أشهر, إلا أن تظهر براءتها من الحمل بالحيض أو بغيره فتنقطع نفقتها كما تنقطع إذا قال القوابل: ليست حاملا ويرجع عليها بما أنفق لأنها أخذت منه ما لا تستحقه فرجع عليها, كما لو ادعت عليه دينا وأخذته منه ثم تبين كذبها وعن أحمد رواية أخرى: لا يرجع عليها لأنه أنفق عليها بحكم آثار النكاح, فلم يرجع به كالنفقة في النكاح الفاسد إذا تبين فساده وإن علمت براءتها من الحمل بالحيض فكتمته, فينبغي أن يرجع عليها قولا واحدا لأنها أخذت النفقة مع علمها ببراءته منها كما لو أخذتها من ماله بغير علمه وإن ادعت الرجعية الحمل فأنفق عليها أكثر من مدة عدتها, رجع عليها بالزيادة ويرجع في مدة العدة إليها لأنها أعلم بها فالقول قولها فيها مع يمينها فإن قالت: قد ارتفع حيضى ولم أدر ما رفعه فعدتها سنة إن كانت حرة وإن قالت: قد انقضت بثلاثة قروء وذكرت آخرها, فلها النفقة إلى ذلك ويرجع عليها بالزائد وإن قالت: لا أدرى متى آخرها رجعنا إلى عادتها فحسبنا لها بها وإن قالت: عادتى تختلف فتطول وتقصر انقضت العدة بالأقصر لأنه اليقين وإن قالت: عادتى تختلف, ولا أعلم رددناها إلى غالب عادات النساء في كل شهر قرء لأنا رددنا المتحيرة إلى ذلك في أحكامها فكذلك هذه وإن بان أنها حامل من غيره, مثل أن تلده بعد أربع سنين فلا نفقة عليه لمدة حملها لأنه من غيره وإن كانت رجعية فلها النفقة في مدة عدتها, فإن كانت انقضت قبل حملها فلها النفقة إلى انقضائها وإن حملت في أثناء عدتها, فلها النفقة إلى الوطء الذي حملت ثم لا نفقة لها حتى تضع حملها ثم تكون لها النفقة في تمام عدتها وإن وطئها زوجها في العدة الرجعية, حصلت الرجعة وإن قلنا: لا تحصل فالنسب لاحق به وعليه النفقة لمدة حملها وإن وطئها بعد انقضاء عدتها أو وطئ البائن, عالما بذلك وبتحريمه فهو زنى لا يلحقه نسب الولد, ولا نفقة عليه من أجله وإن جهل بينونتها أو انقضاء عدة الرجعية أو تحريم ذلك وهو ممن يجهله, لحقه نسبه وفي وجوب النفقة عليه روايتان. قال : [ويجبر الرجل على نفقة والديه ، وولده ، الذكور والإناث ، إذا كانوا فقراء ، وكان له ما ينفق عليهم] الأصل في وجوب نفقة الوالدين والمولودين الكتاب والسنة والإجماع ؛ أما الكتاب فقول الله تعالى :
ويجب الإنفاق على الأجداد والجدات وإن علوا وولد الولد وإن سفلوا, وبذلك قال الشافعي والثوري وأصحاب الرأي وقال مالك: لا تجب النفقة عليهم ولا لهم لأن الجد ليس بأب حقيقى ولنا قوله سبحانه: ويشترط لوجوب الإنفاق ثلاثة شروط: أحدها أن يكونوا فقراء, لا مال لهم ولا كسب يستغنون به عن إنفاق غيرهم فإن كانوا موسرين بمال أو كسب يستغنون به, فلا نفقة لهم لأنها تجب على سبيل المواساة والموسر مستغن عن المواساة الثاني أن يكون لمن تجب عليه النفقة ما ينفق عليهم, فاضلا عن نفقة نفسه إما من ماله وإما من كسبه فأما من لا يفضل عنه شيء, فليس عليه شيء لما روى جابر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا كان أحدكم فقيرا فليبدأ بنفسه, فإن فضل فعلى عياله فإن كان فضل, فعلى قرابته) وفي لفظ: (ابدأ بنفسك ثم بمن تعول) حديث صحيح وروى أبو هريرة (أن رجلا جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله عندي دينار قال: تصدق به على نفسك قال: عندي آخر قال: تصدق به على ولدك قال: عندي آخر قال: تصدق به على زوجك قال: عندي آخر قال: تصدق به على خادمك قال: عندي آخر قال: أنت أبصر) رواه أبو داود, ولأنها مواساة فلا تجب على المحتاج كالزكاة الثالث, أن يكون المنفق وارثا لقول الله تعالى:
فأما ذوو الأرحام الذين لا يرثون بفرض ولا تعصيب, فإن كانوا من غير عمودى النسب فلا نفقة عليهم نص عليه أحمد فقال: الخالة والعمة لا نفقة عليهما قال القاضي: لا نفقة لهم رواية واحدة وذلك لأن قرابتهم ضعيفة, وإنما يأخذون ماله عند عدم الوارث فهم كسائر المسلمين فإن المال يصرف إليهم إذا لم يكن للميت وارث, وذلك الذي يأخذه بيت المال ولذلك يقدم الرد عليهم وقال أبو الخطاب: يخرج فيهم رواية أخرى: أن النفقة تلزمهم عند عدم العصبات وذوى الفروض لأنهم وارثون في تلك الحال قال ابن أبى موسى: هذا يتوجه على معنى قوله والأول هو المنصوص عنه فأما عمود النسب فذكر القاضي ما يدل على أنه يجب الإنفاق عليهم, سواء كانوا من ذوى الأرحام كأبى الأم وابن البنت أو من غيرهم, وسواء كانوا محجوبين أو وارثين وهذا مذهب الشافعي وذلك لأن قرابتهم قرابة جزئية وبعضية وتقتضى رد الشهادة وتمنع جريان القصاص على الوالد بقتل الولد وإن سفل, فأوجبت النفقة على كل حال كقرابة الأب الأدنى.
ولا يشترط في وجوب نفقة الوالدين والمولودين نقص الخلقة ولا نقص الأحكام, في ظاهر المذهب وظاهر كلام الخرقي فإنه أوجب نفقتهم مطلقا إذا كانوا فقراء وله ما ينفق عليهم وقال القاضي: لا يشترط في الوالدين وهل يشترط ذلك في الولد؟ فكلام أحمد يقتضي روايتين إحداهما تلزمه نفقته لأنه فقير والثانية: إن كان يكتسب فينفق على نفسه, لم تلزم نفقته وهذا القول يرجع إلى أن الذي لا يقدر على كسب ما يقوم به تلزم نفقته رواية واحدة, سواء كان ناقص الأحكام كالصغير والمجنون أو ناقص الخلقة كالزمن, وإنما الروايتان في من لا حرفة له ممن يقدر على الكسب ببدنه وقال الشافعي: يشترط نقصانه إما من طريق الحكم أو من طريق الخلقة وقال أبو حنيفة: ينفق على الغلام حتى يبلغ, فإذا بلغ صحيحا انقطعت نفقته ولا تسقط نفقة الجارية حتى تتزوج ونحوه قال مالك, إلا أنه قال: ينفق على النساء حتى يتزوجن ويدخل بهن الأزواج ثم لا نفقة لهن, وإن طلقن ولو طلقن قبل البناء بهن فهن على نفقتهن ولنا (قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لهند: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) لم يستثن منهم بالغا ولا صحيحا, ولأنه والد أو ولد فقير فاستحق النفقة على والده أو ولده الغنى كما لو كان زمنا أو مكفوفا, فأما الوالد فإن أبا حنيفة وافقنا على وجوب نفقته صحيحا إذا لم يكن ذا كسب وللشافعي في ذلك قولان ولنا أنه والد محتاج, فأشبه الزمن.
ومن كان له أب من أهل الإنفاق لم تجب نفقته على سواه لأن الله تعالى قال:
ويلزم الرجل إعفاف أبيه إذا احتاج إلى النكاح وهذا ظاهر مذهب الشافعي ولهم في إعفاف الأب الصحيح وجه آخر أنه لا يجب وقال أبو حنيفة: لا يلزم الرجل إعفاف أبيه, سواء وجبت نفقته أو لم تجب لأن ذلك من أعظم الملاذ فلم تجب للأب كالحلواء, ولأنه أحد الأبوين فلم يجب له ذلك كالأم ولنا أن ذلك مما تدعو حاجته إليه, ويستضر بفقده فلزم ابنه له كالنفقة, ولا يشبه الحلواء لأنه لا يستضر بفقدها وإنما يشبه الطعام والأدم وأما الأم فإن إعفافها إنما هو تزويجها إذا طلبت ذلك, وخطبها كفؤها ونحن نقول بوجوب ذلك عليه وهم يوافقوننا في ذلك إذا ثبت هذا, فإنه يجب إعفاف من لزمت نفقته من الآباء والأجداد فإن اجتمع جدان ولم يمكن إلا إعفاف أحدهما, قدم الأقرب إلا أن يكون أحدهما من جهة الأب والآخر من جهة الأم فيقدم الذي من جهة الأب, وإن بعد لأنه عصبة والشرع قد اعتبر جهته في التوريث والتعصيب فكذلك في الإنفاق والاستحقاق.
وإذا وجب عليه إعفاف أبيه فهو مخير, إن شاء زوجه حرة وإن شاء ملكه أمة أو دفع إليه ما يتزوج به حرة أو يشترى به أمة, وليس للأب التخيير عليه إلا أن الأب إذا عين امرأة وعين الابن أخرى, وصداقهما واحد قدم تعيين الأب لأن النكاح له والمؤنة واحدة, فقدم قوله كما لو عينت البنت كفؤا وعين الأب كفؤا قدم تعيينها وإن اختلفا في الصداق لم يلزم الابن الأكثر لأنه إنما يلزم أقل ما تحصل به الكفاية, ولكن ليس له أن يزوجه أو يملكه قبيحة أو كبيرة لا استمتاع فيها وليس له أن يزوجه أمة لأن فيه ضررا عليه وهو إرقاق ولده, والنقص في استمتاعه وإن رضي الأب بذلك لم يجز لأن الضرر يلحق بغيره وهو الولد, ولذلك لم يكن للموسر أن يتزوج أمة وإذا زوجه زوجة أو ملكه أمة فعليه نفقته ونفقتها ومتى أيسر الأب لم يكن للولد استرجاع ما دفعه إليه, ولا عوض ما زوجه به لأنه دفعه إليه في حال وجوبه عليه فلم يملك استرجاعه كالزكاة وإن زوجه أو ملكه أمة فطلق الزوجة أو أعتق الأمة, لم يكن عليه أن يزوجه أو يملكه ثانيا لأنه فوت ذلك على نفسه وإن ماتتا فعليه إعفافه ثانيا لأنه لا صنع له في ذلك.
قال أصحابنا: وعلى الأب إعفاف ابنه إذا كانت عليه نفقته, وكان محتاجا إلى إعفافه وهو قول بعض أصحاب الشافعي وقال بعضهم: لا يجب ذلك عليه ولنا أنه من عمودى نسبه وتلزمه نفقته, فيلزمه إعفافه عند حاجته إليه كأبيه قال القاضي: وكذلك يجيء في كل من لزمته نفقته من أخ أو عم, أو غيرهم لأن أحمد قد نص في العبد: يلزمه أن يزوجه إذا طلب ذلك وإلا بيع عليه وكل من لزمه إعفافه لزمته نفقة زوجته لأنه لا يتمكن من الإعفاف إلا بذلك وقد روى عن أحمد أنه لا يلزم الأب نفقة زوجة الابن وهذا محمول على أن الابن كان يجد نفقتها.
|